في المجتمع المليوني الصغير الذي نعيش فيه ، هناك صراع طبقي كبير ، يؤثر في واقعنا و لكنا قليلاً ما نلحظهُ أو ندركه ، هذا الصراع الذي أصبح يجرنا كل يوم في اتجاه ، و يجعلنا نغير الآراء و المعتقدات ، و نتلون كما الحرباء في سبيل البقاء.
إن صراع البقاء الذي تخوضه فصائل و تقسيمات المجتمع ، هو هذا الصراع الذي يغير طريقة تعاطينا مع الواقع ، سواء لحظنا أم لم نلحظ ، لكنه بلا شك صراعٌ حتميٌ لا مفر منه.
لنعود للتاريخ و نستحلب الماضي لنفهم المستقبل ، في مرحلة ما قبل النفط كانت هذه الإمارة الصغيرة في صراع مع البيئة في سبيل الموارد ، و في صراع مع المحيط في سبيل النشأة و التكوين و إثبات الوجود ، في هذه المرحلة كانت الصراعات الداخلية قليلة نوعاً ما ، و تختفي في حال صعود وتيرة الصراعات الخارجية ، فعمد البناة الأوائل على ترسيخ قيم الأمة الواحدة رغم الاختلاف في سبيل البقاء ، و يمكن لقارئ التاريخ الرجوع لحرب الجهراء أو سنة الهدامة ليفهم كيف أن العوامل الخارجية تؤثر في صهر المجتمع و تمنع الاختلاف.
تلا ذلك مرحلة تأسيس الدولة الحديثة ، و في هذه المرحلة و في ضوء اضمحلال الصراع مع البيئة برزت الصراعات الداخلية بشكل أكبر لكنها انحصرت في النفوذ و السلطة و المال ، فكان الصراع على القيادة و المصادر أوضح ، حتى انتهينا بالحصول على دستور يحاول أن يوازن هذا الصراع ، فلا هو جمهوري و لا هو أحادي في النفوذ ، مزيج جديد لم يُرى مثله من قبل ، و مباشرة في ظل هذا الصراع برز التهديد الخارجي متمثلاً في الصامتة ، لتأثر العوامل الخارجية في صهر المجتمع و تمنع الاختلاف أو تخففه تبعاً للأحداث التي تلت هذه المرحلة.
و في ظل انحصار صراع المحيط في فترة حرب الثمان سنوات ، و عودة الصراعات الداخلية و لكن بشكل اديولوجي ، أصبح الصراع الداخلي عميق و عظيم ، هذا الصراع لم يتوقف إلا تحت صدمة الاحتلال ، ليعود المجتمع مرة أخرى محاولاً الدفاع نفسه لدفع الضرر الذي لحقه نتيجة الصراع الخارجي منصهراً بشكل لافت ليحقق النصر.
و ظل المجتمع متحفظاً متخوفاً من التهديد الخارجي الذي استمر حتى سقوط نظام البعث ، ليعود الصراع الداخلي من جديد ، و لكن بعباءة أخرى ، و ها نحن نعيش المرحلة من جديد.
إن المشكلة المؤرقة أننا ننتظر التهديد الخارجي لننصهر ، و نعمل على استمراريتنا و بمجرد زوال السبب نعود لنتصارع متناسين الماضي و دروسه ، رغم أن بقاءنا كأمة مرهونٌ بعملنا كخلية متكاملة تعلم على التجهيز ضد التهديد الخارجي و الصراعات المحيطة ، إننا و إن كنا من جذور مختلفة لكنا مدفون في أرض واحدة نتشارك فيها الماء و التربة ، لذلك يجب أن نعمل على التجهيز لحفظ البقاء الذي لن يكون في ظل الصراعات الداخلية.
دعونا ننسى اختلافاتنا و نفكر في الماء و التربة قبل أنفقدها فنموت كأمة ، و ما فلسطين عنا ببعيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق